لا شك أن هذا الطموح النبيل إلى توفير الإنترنت للجميع على الكرة الأرضية لا يمثل أية مشكلة ولا يستطيع أحد إنكار أهمية تضييق الفجوة الرقمية. المشكلة أن العديد من الاقتراحات التي توجه إلى الاتحاد الدولي للاتصالات تهدف إلى عكس ذلك تمامًا. فهذه الاقتراحات من شأنها رفع التكلفة على من لا يستطيع الدفع وإبطاء تقدم الإنترنت في المناطق الفقيرة. وسيؤدي ذلك إلى صعوبة وصول أصحاب مبادرات الأعمال في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية إلى الأسواق الأجنبية، ما من شأنه إضعاف الطاقات التحررية الكبيرة للشبكات.
إن شبكة الإنترنت تقف عند مفترق طرق، ونظرًا لأنه تم تصميم هذه الشبكة من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى وعلى أيدي المستخدمين، فقد أصبحت محركًا اقتصاديًا وقوة اجتماعية فاعلة. إلا أن نجاحها تسبب في رد فعل عنيف يثير القلق والمخاوف. فالأنظمة القمعية حول العالم تفرض إجراءات لتقييد حرية التعبير والتأثير في الحقوق الأساسية للأفراد أو تقترح فرض هذه الإجراءات. وقد زاد عدد الحكومات التي تفرض رقابة على محتوى الإنترنت ليصبح 40 حكومة بعد أن كان عددها 4 حكومات عام 2002. ولا يزال هذا العدد ينمو، مما يهدد بحدوث تحول في الإنترنت يصبح معه مختلفًا عن الإنترنت الذي اعتدنا عليه.
و في مواجهة ما سبق، ظهرت جبهة جديدة في المعركة من أجل الإنترنت في الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة يبلغ عدد أعضائها 193 بلدًا. وتسعى هذه المنظمة إلى مراجعة الاتفاقيات الدولية التي تنظم الاتصالات كما تهدف إلى توسيع نطاق سلطتها التشريعية على الإنترنت في قمة من المقرر أن تستضيفها مدينة دبي كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وسيكون لهذا التحرك آثاره البالغة - ونحن في Google نرى أنه قد يشكل خطورة - على مستقبل الإنترنت.
فهناك العديد من الأفكار الخطيرة التي تحوم حول الاتحاد الدولي للاتصالات، وعلى وجه الخصوص، الاقتراحات التي وضعتها جمعية مشغلي شبكات الاتصالات الأوروبية (ETNO) والتي قد تضر بمستخدمي الإنترنت في البلدان الأقل تقدمًا.
و إليك كيف سيتم ذلك: تتدفق الزيارات على الإنترنت اليوم بموجب اتفاقيات تجارية لا تنظمها تشريعات. إلا أن شركات الاتصال العملاقة التابعة لجمعية مشغلي شبكات الاتصالات الأوروبية تقترح استبدال هذا النظام الناجح باتفاقيات اتصال بينية ذات صبغة رسمية يلتزم بموجبها المرسل بدفع رسوم. وقد يؤدي "فرض رسوم على جهة الإرسال" إلى إضافة تكاليف يمكن أن يصبح من يتحملها هو مستخدمو الإنترنت. وباختصار، قد تكون هذه بداية لأن يصبح السماح بالدخول إلى الإنترنت مثله مثل الدخول إلى الهواتف الدولية بما يتطلبه ذلك من أسعار مرتفعة.
و قد يؤدي هذا التطور إلى الإضرار بمصالح بلدان العالم النامي، على وجه الخصوص. فالعديد من مزودي خدمة الإنترنت يسعون إلى تقييد الاتصالات بالوجهات التي يعتبرون أنها لا تستحق تكلفة الإنهاء. وعلى الرغم من أن مشغلي الشبكات المحلية قد يبقون على مصاريف الإنهاء منخفضة، يقول مركز الديمقراطية والتكنولوجيا أن "الحكومات يستهويها هدف على المدى القصير وهو جمع إيرادات من رسوم الإنهاء أكثر من الإبقاء على تمكين المواطن من الدخول إلى المحتوى الأجنبي للإنترنت". وبذلك تتسع الفجوة الرقمية بدلاً من سدها عن طريق توفير أموال في البلدان النامية، وفقًا لاقتراح جمعية مشغلي شبكات الاتصالات الأوروبية.
و في هذه الحالة سيقع الضرر على أصحاب مبادرات الأعمال في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. أما الإنترنت بوضعه الحالي فيتيح لأي شخص في أي مكان الوصول إلى العالم بأسره. فمهما كان النشاط التجاري صغيرًا أو كان موقعه منعزلاً تمامًا، فقد يجد نفسه فجأة في مركز السوق العالمي. إلا أنه إذا كان هناك تحكم في الإنترنت من قِبل قطاع الاتصالات، فقد يشكل هذا خطورة كبيرة على هذه الحرية الأساسية. وإذا تم فرض رسوم اتصال بينية على الشبكات التي تقدم الخدمة إلى المشروعات التجارية الناشئة محليًا، فستضطر بناءً على ذلك إلى فرض رسوم أكبر مقابل تقديم الخدمة لأي نشاط تجاري يرسل عددًا كبيرًا ومتزايدًا من الطلبات على ما تقدمه من محتوى.
و نحن نرى أن الإبقاء على انفتاح الإنترنت وحريته ليس مجرد أولوية لحماية حقوق الإنسان فقط، بل إنه يشكل أيضًا عاملاً أساسيًا من عوامل تحقيق النجاح على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. هناك ارتباط عكسي كبير بين تقديرات حرية الصحافة والإنترنت التي تنشرها منظمة Freedom House والعديد من تقديرات الأمم المتحدة للنجاح الاقتصادي والاجتماعي وإجمالي الناتج المحلي والابتكار وعدد براءات الاختراع التي يتم التقدم للحصول عليها ومستوى ما يحققه الفرد من تعليم.
و نحن جميعًا نتفق على أن الإنترنت سيلعب دورًا رئيسيًا في خروج اقتصاداتنا مما تعانيه من بطء حاليًا. ومن ثم ستذهب الكعكة الاقتصادية كلها في يد البلدان التي تسيطر على العالم الرقمي. ولذلك يجب أن نتأكد من الحفاظ على انفتاح الإنترنت أمام من هم في أمس الحاجة إليه داخل بلدان العالم النامي.
بقلم: خالد قوبعة، مدير السياسات العامة بشمال إفريقيا بشركة Google