أصبحت المعارف المجمعة على مستوى العالم في متناول ما يزيد عن ملياري شخص بفضل انتشار الإنترنت. كما أصبح بإمكانك عن طريق إدخال طلب بحث صغير الدخول إلى صفحة إنترنت على خادم في بلد يبعد عنك آلاف الأميال أو قراءة ملاحظة من شخص ما يعيش في القطب الآخر من الكرة الأرضية. ولكن ماذا تفعل إذا كانت هذه الملاحظة باللغة الهندية أو الأفريكانية أو الأيسلندية وكانت اللغة الوحيدة التي تفهمها هي اللغة العربية، أو العكس؟
في عام 2001، طرحت شركة Google خدمة تتيح ترجمة ثماني لغات من اللغة الإنجليزية وإليها. وقد استفادت هذه الخدمة من أحدث تقنية تجارية آنذاك وهي تقنية الترجمة الآلية والتي تعرف اختصارًا باسم MT، إلا أن جودة الترجمة لم تكن بالقدر الكافي، كما أنها لم تتحسن كثيرًا خلال السنوات القليلة الأولى. وفي عام 2003، قرر بعض مهندسي شركة Google رفع جودة الترجمة وتوفير مزيد من اللغات. وقد تزامن ذلك مع دخولي هذا المجال، فقد كنت أعمل باحثًا في وكالة مشاريع أبحاث الدفاع المتقدمة (DARPA)، وأتطلع إلى منهج جديد للترجمة الآلية، يتم استنباطه من البيانات، حيث كان هذا المجال ينبئ بجودة ترجمة أفضل كثيرًا. عندها تلقيت مكالمة هاتفية من فريق مهندسي Google السابق ذكرهم وأقنعوني (حيث كانت تساورني الشكوك!) بإمكانية تنفيذ هذا المنهج الذي يعتمد على البيانات على نطاق Google.
بعد ذلك التحقت بالعمل في شركة Google، وبدأنا إعادة تجهيز نظام الترجمة لدينا بأدوات جديدة ليحقق مستوىً تنافسيًا في نتائج تقييم الترجمة الآلية الصادر عن المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا، وهو بمثابة "مسابقة" بين الشركات والمؤسسات البحثية للحصول على ترجمة آلية ذات كفاءة أعلى. وقد ساعدنا على تحقيق نتائج رائعة ما تتمتع به شركة Google من بنية حاسوبية عملاقة وإمكانية استيعاب مجموعات هائلة من البيانات المتاحة على الإنترنت. وكانت هذه نقطة تحول رئيسية؛ حيث أكدت على مدى كفاءة منهج استنباط البيانات في تحسين نتائج الترجمة الآلية.
إلا أن النظام الذي كنا نستخدمه في ذلك الحين كان بطيئًا جدًا يصعب الاعتماد عليه كخدمة عملية؛ حيث كان يستغرق منا 40 ساعة ويستهلك 1000 جهاز لترجمة 1000 جملة. ولذلك ركزنا على السرعة وتمكنا بعد عام واحد من تقديم نظام يمكنه ترجمة الجملة في أقل من ثانية واحدة وبجودة أعلى. وفي مطلع عام 2006، طرحنا اللغات الأولى لدينا: الصينية وبعدها العربية.
وفي 28 نيسان (أبريل) 2006 أعلنا عن منهج الترجمة الآلية الإحصائية المستخدم لدينا، وخلال الأعوام الستة التالية لذلك، كان تركيزنا في الأساس ينصب على جودة الترجمة وتوفير الخدمة بلغات أكثر. والآن أصبح بإمكاننا الترجمة إلى 64 لغة مختلفة، من بينها عدد كبير من اللغات التي لا تتوفر بكثرة على الإنترنت، مثل البنغالية والباسكية والسواحيلية واليديشية... بل وحتى لغة الإسبرانتو.
وقد أصبح لدينا اليوم ما يزيد عن 200 مليون مستخدم نشط شهريًا على translate.google.com (بل وأكثر من ذلك في أماكن أخرى يمكنك من خلالها استخدام أداة "الترجمة"، مثل متصفح Chrome وتطبيقات الجوال وموقع YouTube، وغيرها). كما ثبت وجود اهتمام كبير بالدخول إلى خدمة "الترجمة من Google" أثناء التنقل (فما أصعب حواجز اللغة عند السفر)، ولذلك يتجاوز عدد الزيارات على الخدمة من خلال الجوال أربعة أضعاف العدد سنة تلو الأخرى. وتمتد خدمة الترجمة لتشمل مستخدمين من جميع أنحاء العالم؛ حيث بلغت نسبة الزيارات على الخدمة من خارج الولايات المتحدة أكثر من 92 في المائة.
وقد بلغ حجم الترجمة لدينا في أحد الأيام ما يعادل مليون كتاب. وهذا يعني أن النظام لدينا يمكنه خلال يوم واحد تقريبًا ترجمة جميع ما ينتجه محترفو الترجمة من البشر في العالم خلال عام كامل. ووفقًا لهذه التقديرات، فإن معظم ما يشهده العالم حاليًا من ترجمة يتم من خلال خدمة "الترجمة من Google" (لقد أثبتنا عكس العبارة القائلة: "لا يمكننا التحدث بجميع لغات المجرة" وذلك بفضل "Babel fish" التي أشار إليها دوغلاس آدامز). ولا نحتاج لأن ننوه إلى أنه ليس هناك نظير للترجمة البشرية إذا كان الأمر متعلقًا بترجمات بالغة الأهمية تحتوي على فروق دقيقة في المعنى. وكما نعتقد أن الترجمة الآلية تشجع على زيادة نطاق المتحدثين بلغاتهم الأصلية مع زيادة التواصل على المستوى العالمي، فنحن نرى أيضًا أنه سيكون للخبراء والمحترفين في مجال الترجمة أهمية أكبر من أي وقت مضى.
ونحن نتطلع إلى مستقبل لا تعوقه أية حواجز في اللغة حيث يكون بإمكان الجميع استخدام المعلومات ومشاركتها بغض النظر عن اللغة المكتوبة بها أو مكان ظهورها. ونحن بالفعل نوفر ترجمة سريعة لصفحات الإنترنت أثناء التصفح في Chrome كما نقدم ترجمة للنصوص المضمنة في صور الجوال بالإضافة إلى ترجمة التسميات التوضيحية لمقاطع الفيديو في YouTube والترجمة الصوتية للمحادثات على الهواتف الذكية. ونسعى دائمًا للتغلب على حواجز اللغات لحظة ظهورها ولا يسعنا الانتظار حتى نرى ما سوف تتمخض عنه الأعوام الستة القادمة.
الناشر: فرانز أوتش، باحث علمي جليل بفريق خدمة "الترجمة من Google"